أشدّ وحدةً أنا الآن - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني

 

أشدّ وحدةً أنا الآن
زهرة نيسان - 22\12\2012
لطالما كنتُ ذلك المستمع اللبق والشاهد على حديث أيّ أنثى كانتْ، حين تتكلم.
أتربّصُ بحديثها لثقبٍ صغيرٍ أتسلّلُ من خلاله إلى أعماقها، وأفكَّ شيفرتها السّريّة بهدوءٍ، وأطلق العنان لجبروتي ليلامس نقاطها الأكثر جفافاً ويداعب أحاسيسها السجينة، فتتفجر ينابيعها الساخنة لأجلي ونصعد فوق سلّمٍ متضاربَ النوتات الموسيقية لنعانق سماء الحرية باسترخاء مميت.. قبل أن ألبس قبعة الريش من جديد وأمضي كإني نسيت..
معكِ أنتِ الأمر اختلف!!
رحتُ أفرشُ أمامكِ ملفّاتيَ السّريّة، شَرّعْتُ أبوابي الحصينة لتدخلي بهدوءِ حصان طروادة دون أن تضطري لبذل جهدٍ في منازلتي..
أرديتني أسيراً مسكيناً يجثو على ركبتيه باحثاً بين عجلات السيارات عن لقمة حنان صغيرة تتصدّقين بها عليه، لِيَسُدّ بها جوعهُ الدفين الذي لم يتجلّى لعينيهِ إلا حينما عرفكِ..
لم أعرف طعم الحرمان إلا حينما لم أعرفكِ.. ولم أذق مرارته قبلك..
أي تناقض هذا الذي تتقوقعين داخل أحصانه المنيعة.. وأي الأشياء أنتي؟
كلما حاولت الاقتراب منك كلما اتسعت رقعة الشرخ بيننا.. وكلما تورطت فيك أكثر..
أهذا ما كنت تسعين إليه، قتلي حيّا بكل سبل المعاناة؟!
أمْسَتْ لياليَّ أكثرُ وحدةً مما ينبغي لها أن تكون.. وأشدّ ألما مما يمكنني أن أتحمل..
فلا أنتِ معي، ولا أنا معي أيضا!!
بعدك لم أعد أعرفني.. أتأمل عيناي في مرآتي الصغيرة، وأضيع في ملامح ترتسم أمامي ولا تشبهني..
أهذا هو الحب، يصورنا في هيئة جديدة بعيدة كل البعد عنا؟!! أم أنه يزيح القناع الذي يَلْبَسُنا مذ نعومة أظافرنا حين علّمونا أن نتحوّل لدمى صغيرة تتحرك وفق الحاجة وحسب معايير المجتمع الذي نعيش فيه؟!
أكنتُ بحاجةٍ لِتَهُبِّي عليَّ عاصفةً، لأستعيدني بعد ضياعٍ دام أربعين عاما من فقدان الهوية؟
ألم يكن يجدر بك أن تغتاليني بمزيد من التهوّر قبل أعوامٍ من الآن؟!!
أنا الذي لم أنتظركِ يوما..
فاجَئْتِني متأخرةً - كما أحلامنا التي لا تتحقق إلا بعد أن نفقد الأمل منها وننسى - مانحةً إيّاي فرصةَ احتضانك لوقتٍ أقلُّ مما أستحق..
أنتِ التي لم تقدمي حبك لأحد قبلي.. ولا بعدي.. أشتهي أن أكونَ الطبقَ الذي يحتويك منذ الآن..